جدل دائم لماذا التقلدي عند الشيعة ومن نقلد

فقية اهل البيت المرجع الراحل السيد محمد سعيد الحكيم

سؤال مُلحّ يبتلي به المكلفون، ويشكل علية المتزمتون وهو: لماذا التقلدي عن الشيعة مَن هو الأعلم الذي يجب تقليده؟

ولأننا في زمن الغيبة الكبرى، بعدنا عن لطف الإمام مباشرةً أو عبر فقهاء مُعَيَّنين من قِبَل الإمام (عجل الله فرجه)، فنحن مُبتلون بالمسائل الدينية في حياتنا اليومية وفي الأمور العبادية مثل الحج وغيرها. لذلك، يرجع الجاهل إلى العالم.

ولتعذُّر تعلُّم جميع الناس لأمور دينهم – لأن ذلك يحتاج إلى سنوات من التخصُّص حتى يُدرك الفرد كيفية استنباط الحكم – بينما يحتاج الناس إلى مزارعين وكسبة وأطباء ومهندسين؛ إذ بدونهم لا تستمر الحياة. لذلك، نحتاج إلى فقهاء مُختصِّين في علم الشريعة.

قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢].

ففي زمن الحضور (أيام الأئمة)، كان الناس يرجعون أيضًا إلى الفقهاء (أصحاب الأئمة) الذين كان يُعيِّنهم إمام ذلك الزمان؛ لصعوبة الالتقاء بالإمام مباشرةً والأخذ منه للأحكام ومعالم الدين. فالإمام كان في المدينة، وأتباعه في بلاد بعيدة ومختلفة، أو كان محاصرًا كما حصل مع الإمام الهادي وابنه الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام).

وفي صحيحة يونس بن يعقوب قال: «كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: أما لكم من مَفزَع؟! أما لكم من مُستراح تستريحون إليه؟! ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النضري؟!».

وفي زمن الغيبة الكبرى، ورد التوقيع الشريف بخط مولانا صاحب الزمان (عجل الله فرجه):
«وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله».

ومع بداية الغيبة الكبرى، رجع الموالون إلى فقهاء مثل ابن أبي عقيل العماني وأبي محمد الحسن بن علي الحذاء وابن الجنيد الإسكافي، وهما من أوائل الفقهاء الذين رجعت إليهم الشيعة في ذلك الزمن.

أما في عصرنا الحاضر، فقد كَثُر الفقهاء الذين بلغوا مَرتبة الاجتهاد، وزادت الأمور تعقيدًا مع تعدد المراجع. لكن الطائفة تعتمد عادةً على الفقيه الذي يتصدى لزمام الزعامة الدينية، كما حصل مع المجدد الشيرازي والسيد أبو الحسن الأصفهاني والسيد محسن الحكيم، ثم انتقلت الزعامة إلى السيد الخوئي (رحمه الله)، فكان الرجوع إليه أسهل لكونه مُحدَّدًا وله وكلاء في كل البلدان. وبعد وفاته، خرج العديد من الفقهاء العظام، فأصبح تحديد الأعلم بينهم صعبًا.

ويُوجب الفقهاء الرجوع إلى الحي الأعلم من بين المتصدين للمرجعية.

فالسؤال هو: مَن هو الحي الأعلم؟

ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في رواية يُخاطب فيها عمه عبد الله بن الحسن بعد أن أفتى بغير صواب:
«لا إله إلا الله يا عم! إنه عظيم عند الله أن تقف يوم القيامة فيقول لك: لِمَ أفتيت عبادي بغير علم؟ وفي الأمة مَن هو أعلم منك!».

نقطتان مهمتان في الرواية:
١. نهي الإمام (عليه السلام) عن تصدّي غير الأعلم للفتوى.
٢. وجوب تصدّي الأقدر والأعلم للفتوى.

والأعلم هو: الأقدر والأجود في استنباط الحكم من القرآن والروايات الواردة عن العترة الطاهرة (عليهم السلام).

السؤال الأهم: كيف نُميِّز الأعلم بين المتصدين للمرجعية، ونحن لسنا من أهل الاختصاص؟

الجواب: يُعرف الأعلم من خلال أهل الخبرة، ويكون المرجع الأعلم أكثر شيوعًا بينهم.

أهل الخبرة: بعض مواصفاتهم

  • أن يكونوا مجتهدين أو قريبين من الاجتهاد.
  • منشغلين بالتدريس في الحوزات العلمية (مثل أساتذة “بحث الخارج”)، ولهم خبرة طويلة في مناقشة آراء الفقهاء.
  • معروفين بالتقوى التي تمنعهم من التحيز لشخص بسبب قرابة أو انتماء حزبي.
  • مشهورين في الأوساط الحوزوية بين طلاب العلم والمراجع.
  • مُطّلعين على منهجية الفقهاء المتصدين، حتى لو لم يدرسوا عندهم مباشرةً.

سؤال آخر: نحن لا نعرف أهل الخبرة، فماذا نفعل؟
الجواب: نسأل شيوخ المنطقة المرتبطين بالحوزات، وهم يُرشدوننا إلى المدرسين المعتبرين. ويمكن للمكلف أن يبحث عن مكانتهم العلمية عبر وسائل التواصل والمواقع الإلكترونية، فالأمر ليس خفيًّا.

بعض أسماء أهل الخبرة (من السادة وغيرهم):

  • من آل الحكيم: السيد محمد جعفر، السيد محمد تقي، السيد رياض، السيد حسين، السيد جعفر.
  • السيد أحمد المدني.
  • السيد علي السبزواري.
  • السيد جعفر سيدان.
  • السيد صادق الخرسان.
  • السيد مرتضى المهري.
  • السيد منير الخباز.
  • السيد محمد رضا السيستاني.
  • السيد محمد باقر السيستاني.
  • السيد علاء الدين الموسوي الهندي.
  • السيد محمد جواد الشبيري.
  • السيد علي أكبر الحائري.

ومن غير السادة:

  • الشيخ محمد باقر الإيرواني.
  • الشيخ هادي آل راضي.
  • الشيخ حسن الجواهري.
  • الشيخ محمد الجواهري.
  • الشيخ نجم الدين الطبسي.
  • الشيخ مسلم الداوري.
  • الشيخ مهدي المرواريد.
  • الشيخ نزار آل سنبل.
  • الشيخ مصطفى الهرندي.
  • الشيخ حسين النجاتي البحراني.
  • الشيخ علي الجزيري الأحسائي.

هذه بعض الأسماء (وليس كلها)، وقد يظهر في المستقبل مَن يتصدى للمرجعية منهم.

المهم هو:

  • معرفة أهل الخبرة.
  • التوكل على الله في التقليد.
  • عدم التعصُّب؛ فلك أن تُحب مَن تشاء من العلماء، لكن التقليد يجب أن يكون بناءً على الدليل.
  • الاختلاف بين المراجع في الفتاوى محدود، لكن يُراعى في المسائل الاحتياطية الرجوع إلى الأعلم.

مثال: في الحج، إذا حدث طارئ وكان أغلب المجموعة يقلدون السيد السيستاني، ثم أفتى أحد العلماء بخلافه، فمن يرجح كلام الأعلم الثاني (كالميرزا التبريزي) فهو محق، ومن بقي على تقليد السيد السيستاني أيضًا محق.

وفي الختام:

  • تعرَّف على فقهاء الطائفة، وابحث، واخلط بعلمائها.
  • تجنَّب الصراعات، وناقش بالدليل.
  • في البحرين، هناك تقصير في التعريف بأهل الخبرة، بخلاف مناطق مثل الأحساء والقطيف.
  • نتمنى أن يتصدى البعض لتعريف المجتمع بأهل الفضل في بلادنا.

الهوامش:
١. سورة التوبة، الآية ١٢٢.
٢. اختيار معرفة الرجال للطوسي، ج٢، ص٦٢٨.
٣. الاحتجاج للطوسي.
٤. بحار الأنوار للمجلسي، ج٥٠، ص١٠٠.

مصطفى الوداعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

karranah كرانة

مجانى
عرض