نبذة عن المرجعة الكبير الخبير اية الله الشيخ محمد إسحاق الفياض
المترجمة له أحد كبار فقهاء الطائفة في عصرنا واحد المراجع الأربعة الذي تصدوا للمرجعية والشأن العام بعد وفاة السيد الخوئي المرجع الأعلى السيد السيستاني الراحل فقيه اهل البيت السيد محمد سعيد الحكيم والشيخ حسين بشير النجفي.
ولد المرجع الشيخ محمد إسحاق سنة 1930 م في قرية (صوبة) إحدى قرى محافظة (غزني) في وسط أفغانستان الواقعة جنوب العاصمة كابل، وهو ثاني أبناء والده محمد رضا من أخوه محمد أيوب، وكان والده رحمه الله المتوفى سنة 1989 م فلاحا بسيطا يعمل عند بعض المتمولين في القرية من ملاك الأراضي، ليقتات من كد يمينه وعرق جبينه في إعاشة عياله، إلا أنه كان غنيا بالإيمان وغني.
دراسته:
ان يرسله والده إلى مكتب شيخ القرية يوميا- حيث لا توجد مدارس نظامية في القرية آنذاك- ليتعلم مبادئ القراءة والكتابة وتعلم القرآن، وهو في الخامسة من العمر، وفي فصول الشتاء، يحمل الوالد الكريم صغيره على ظهره مغطيا إياه بما يكفي لحمايته من البرد القارص عبر الطرق الوعرة والثلوج الكثيفة، ليوصله إلى مكتب الشيخ صباحا ويعود به إلى البيت مساء وهكذا ليتغذى الولد النبيل من مناهل العلم والمعرفة والأخلاق، وينعم بالعطف والحنان، فيشب على الإيمان وحب آل البيت عليهم السلام ويقرر إكمال دراساته في الحوزات الدينية كما كان ذلك رغبة والده رحمه الله، فقرأ على شيخ القرية أبجديات العلوم وتعلم القرآن، ومن ثم كتاب جامع المقدمات وهو كتاب يتمل على أكثر من عشر كتب مختصرة في النحو والصرف والمنطق والأخلاق لعدة مؤلفين، يدرسها طلاب العلوم الدينية كمقدمة للكتب اللاحقة المقررة في الحوزات، ولذلك سميت تلك المختصرات ب- (جامع المقدمات).
انتقل الطالب المجد بعد مكتب شيخ القرية إلى قرية (حوت قل) المجاورة وهو ابن الخامس عشر من العمر لينظم إلى صفوف المدرسة الدينية التي أسسها الشيخ قربانعلي وحيدي رحمه الله وهو من خريجي مدرسة النجف الأشرف في العراق.
أكمل في تلك المدرسة قراءة كتاب (جامع المقدمات) وكتاب (البهجة المرضية في شرح الألفية) المعروف في الأوساط الدراسية بكتاب السيوطي نسبة إلى مؤلفه جلال الدين السيوطي المتوفى 911 ه- في النحو وقواعد اللغة العربية لأربع سنوات، وعند أساتذتها كالشيخ ملا إسماعيل وملا حيدر علي رحمهما الله تعالى.
وكان نظام المدرسة حينها يكفل للطالب مكان الإقامة والمبيت في إحدى غرفها الصغيرة، وعلى الطالب أن يتكفل
بمصاريفه الشخصية من اللباس والطعام الذي كان عادة ما يتكون من جلب الطحين من منازلهم لتقوم بعض نساء القرية بعجنها وعملها خبزا للطلاب من دون أجر.
ثم انتقل الى مشهد المقدسة استقر الشيخ محمد إسحاق لسنة واحدة في مدرسة (الحاج حسن) الواقعة في منطقة (بالا خيابان) والتي شملها مشروع توسعة الحرم الرضوي فيما بعد.
المبتغى النجف الاشرف محط الرحل ونيل المجاورة العلوية
انتقل الشيخ الفياض بعد عام من الدرس في حوزة مدينة مشهد- كما تقدم- إلى مدينة قم المقدسة لزيارة قبر السيدة المعصومة أخت الإمام الرضا عليه السلام ومنها انتقل إلى مدينة أهواز، فالمحمرة، حيث نزل في فندق، وبعد فترة اتصل بالسيد الجليل السيد أبو حسن البحراني رحمه الله، الذي كان إمام المحمرة ومن الشخصيات الدينية المعروفة هناك، وقد قام بترتيب أمر سفره إلى البصرة وأوصى السيد الجليل الدليل بأن يأخذ الضيف إلى البصرة، إلى منزل الشيخ عبد المهدي المظفر رحمه الله, ي الشيخ محمد إسحاق عند الشيخ المضفر مدة يومين، حتى تمكن الشيخ المضفر من ترتيب أمر سفره بواسطة السيد علي الحكاك صاحب المسافر خانه المعروف في البصرة، إلى النجف الأشرف عن طريق القطار الذي أوصله إلى مدينة المسيب فنزل منها إلى مدينة كربلاء المقدسة، وبعد زيارة حرمي الإمام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام انتقل في اليوم نفسه إلى النجف الأشرف، بعد أداء مراسم الزيارة في حرم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، نزل ضيفاً عند الشيخ غلام حسين أحد طلاب مدرسة.
وصل الطالب الجديد إلى النجف وهو شاب في مقتبل ربيعه الثامن عشر, على النزيل الجديد تقع مسؤولية التكيف مع تلك الظروف وتحمل تخطي صعابها بناء على قدرته في الإصرار والمثابرة على الاستمرار، ابتداء من تحمل مناخها الحار الشيديد.
صيفا والبارد القارص شتاء، إلى ضرورة تعلم اللغة العربية أولا للواردين إليها من غير المتكلمين بها، والبحث عن مكان مناسب للإقامة، والتفتيش بين مئات الحلقات الدراسية الموجودة والمنتشرة في عشرات المدارس والمساجد في أطراف المدينة للعثور على الحلقة المناسبة للتلميذ من حيث المستوى والأستاذ والمباحث، وكيفية الحصول على الكتب الدراسية المنتظمة.
(كان قدومي إلى النجف الأشرف بسنوات بعد وفاة السيد أبو الحسن الأصفهاني، وفي أواخر فترة العهد الملكي، وأوائل فترة مرجعية السيد محسن الحكيم الذي كان قد أجرى راتبا شهريا للطلبة بمقدار دينارين للطالب المعيل ومبلغ دينار للطالب الأعزب من أمثالنا، وكنا غالبا ما نأكل الخبز والبصل، ولا يخطر ببال أحدنا أن يأكل يوما شيئا مما يسمى بالفواكه).
قد كان عونه في تلك الأمور سماحة العلامة المغفور له الشيخ محمد علي الأفغاني المعروف بالمدرس والذي كان من المهتمين والمتابعين لتسهيل وإنجاز أمور الطلبة وقضاء حوائج بني قومه من الطلبة المقمين في النجف الأشرف وبخاصة الوافدين الجدد منهم، وهو الأستاذ البارع الشهير لمرحلة المقدمات والسطوح، ولذلك لقب بالمدرس فقط أخذ الشيخ الفياض معه إلى زيارة المرحوم آية الله السيد محسن الحكيم في مجلسه العام وزار السيد الخوئي في منزله لعلاقة الشيخ المدرس الخاصة وقربه منه.
الدروس والأساتذة:
فقرأ كتاب (قوانين الأصول) لأبي القاسم القمي والمعروف في الحوزات بكتاب (القوانين)، وكتاب (حاشية ملا عبد الله)، وقسم من كتاب (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية) عند المرحوم الشيخ ميرزا كاظم التبريزي، وأكمل كتاب (اللمعة) عند المرحوم السيد أسد الله المدني والشيخ ميرزا علي الفلسفي دام ظله، كما أكمل كتاب (المطول) عند المرحوم الشيخ محمد علي المدرس.
انتقل الطالب المجد إلى دراسة مرحلة السطوح ليتأهل لحضور بحوث الخارج لدى العلماء الكبار، فقرأ كتب (الكفاية) للشيخ الآخوند الخراساني، وكتابي (الرسائل) و (المكاسب المحرمة) للشيخ مرتضى الأنصاري عند المرحوم الشيخ مجتبى اللنكراني، كما أن في تلك الفترة يتباحث في الكتب التي يدرسها مع بعض زملائه، ويدرس ما فرغ من تحصيله إلى الطلبة المبتدئين من بعده.
انتقل إلى المرحلة الدراسية المعروفة ببحث الخارج، حيث تقع مهمة التحضير والإعداد على الطالب نفسه، من غير أن يتقيد بمصدر علمي أو كتاب خاص، فيقوم الطالب بنفسه قبل أن يحضر المحاضرة بإعداد مادة المحاضرة من فقه أو أصول، ثم مراجعة أقوال العلماء في هذه المادة وما يمكن أن يصلح دليلا لها، وما يمكن أن يناقش به هذا الدليل، ثم يحاول الطالب أن يستخلص لنفسه رأياً خاصاً في هذه المسألة، فإذا فرغ من هذا الإعداد، حضر إلى درس الأستاذ ليستمع إلى توجيهاته.
أستاذته في البحث الخارج
حضر الشيخ الفياض في بحث الفقه لمرجع الطائفة آية الله العظمى السيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس سره مدة سنة، كما حضر عند الفقيه الكبير آية الله الميرزا محمد باقر الزنجاني قدس سره مدة ستة أشهر في خارج المكاسب.
ولكن عمدة حضوره عند أستاذه الأعظم وشيخه الأفخم زعيم الحوزة العلمية المحقق الكبير آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره، فقد حضر عنده من بحث المكاسب المحرمة من الدورة الثانية وأكمل البيع والخيارات ثم حضر الطهارة والصلاة من العروة الوثقى، أي كان حضوره عنده في الفقه أكثر من عشرين سنة، من سنة 1372هـ إلى 1393هـ تقريباً.
وقد حضر عنده في خارج الأصول من أواخر الاستصحاب من دورته الثالثة أي في سنة 1374 هـ، ثم حضر في الدورة الرابعة الممتدة من سنة 1375هـ إلى 1382هـ وكتب التقرير، ثم حضر مقداراً كثيراً من الدورة التي تليها.
تقريرات الشيخ لبحث استاذه السيد الخوئي وقد طبعت تحت اسم (المحاضرات)
وقد جاء في تقريض الإمام الخوئي على تقريرات الشيخ الفياض قوله (الذي كتبه تقريرا لأبحاثي بأسلوب بليغ وإلمام جدير بالإشادة والإعجاب)، وهذا نص التقريض الموجود في مقدمة الجزء الأول من كتاب (المحاضرات):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعترته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين، وبعد:
فإني أحمد الله تعالى على ما أولاني به من تربية نفر من ذوي الكفاءة واللياقة حتى بلغ الواحد منهم تلو الآخر درجة راقية من العلم والفضل، وممن وفقت لرعايته وحضر أبحاثي العالية في الفقه والأصول هو قرة عيني العلامة المدقق الفاضل الشيخ محمد إسحاق الفياض دامت تأييداته، وقد عرض علي الجزء الأول من كتابه (المحاضرات في أصول الفقه) الذي كتبه تقريرا لأبحاثي بأسلوب بليغ وإلمام جدير بالإشادة والإعجاب، وإني أبارك له هذا الجهد الميمون وأسأله تعالى أن يوفقه لإتمام مرامه، إنه ولي التوفيق. في (6/ جمادى الثانية/ سنة 1382 ه-) الموافق 4/ 11/ 1962 م.
التدريس:
خلال تلك الفترة وما بعدها، كان شيخنا الفياض واحدا من الأساتذة المبرزين المشهورين في الحوزة، حيث يلقي دروسه وبحوثه على جمع كبير من الأفاضل من طلاب العلوم الدينية، يدرس الكتب المعهودة لمستوى السطوح العليا وهي الرسائل والكفاية والمكاسب في حلقات متعددة في المسجد الهندي المعروف، كما كان أستاذه هذه المرحلة لأكثر من عشر سنوات في جامعة النجف الدينية التي أسسها المرحوم السيد محمد كلانتر، حتى بدأ بإلقاء بحوث الخارج عام 1978 م في مدرسة السيد اليزدي الصغرى الواقعة في محلة العمارة، وعند افتتاح مدرسة دار العلم المعروفة التي أنشأها الإمام الخوئي عام 1980 م فقد انتقل مجلس بحثه إلى هناك حتى تاريخ هدم المدرسة، فانتقل مجلس الدرس إلى المسجد الهندي الكبير في فترة قليلة، ومن ثم إلى مدرسة اليزدي وهي مدرسة أسسها المرجع الكبير السيد كاظم اليزدي (قده) وإلى اليوم، يحضره جمع كبير من الطلبة وفيهم غير واحد من الأفاضل ممن يقرر بحوثه على أمل طبعها إن شاء الله.
لجنة الاستفتاء:
الشيخ محمد اسحاق الفياض احد لجنة الاستفتاء التابع السيد الخوئي التي استمر فيها لمدة 25 سنة الى وفاة السيد الخوئي .
وضمت لجنة الاستفتاء كبار الفقهاء من تلاميذ السيد الخوئي آية الله السيد علي البهشتي دام ظله، وآية الله السيد مرتضى الخلخالي (فرج الله عنه)، وآية الله السيد محمد الروحاني (قده)، وآية الله الشيخ ميرزا علي الغروي (قده)، وآية الله السيد محمد باقر الصدر (قده)، وآية الله الشيخ ميرزا جواد التبريزي، وآية الله الشيخ وحيد الخراساني، وآية الله السيد تقي القمي، وآية الله الشيخ ميرزا علي الفلسفي، وآية الله السيد علي السيستاني دامت ظلالهم الوارفة، وغيرهم كثير من العلماء الأفاضل وكبار أساتذة الحوزات العلمية.
يقول الشيخ علي آل محسن في مقال كتبه عنه:
(كان درس شيخنا الأستاذ ولا سيما في الأصول الدرس الذي استقطب كثيراً من فضلاء طلبة العلم في الفترة التي حضرتها في النجف الأشرف، ولعلّي لا أكون مبالغاً إذا قلت: إن درسه في علم الأصول كان أهم الدروس في وقته؛ لأن أكثر مراجع النجف إما لم تكن لهم بحوث في الأصول، أو كانت دروسهم لا تقاس بدرسه، وقد امتازت بحوث الشيخ الأستاذ في الفقه والأصول بالعمق، والترتيب، وحسن البيان، وقوة الاستدلال، كما يشهد بذلك كل من حضر بحثه الشريف)
من تلامذته في السطوح العليا: الشيخ علي المروّجي القزويني، الشيخ محمد هاشم الصالحي المدرّس، الشيخ محمد الأميني البامياني، السيد علي الخراساني.
ومن تلامذته في البحث الخارج: الشيخ محمد جواد المهدوي، الشيخ مهدي المصلي التاروتي، الشيخ علي آل محسن، الشيخ محمد حسين الأنصاري، السيد محمد البكاء، الشيخ علي الربيعي، السيد باقر العلوي، السيد حسن بن السيد رضي المرعشي، الشيخ جواد السلطان الأحسائي، الشيخ عبد الأمير الخرس الأحسائي، الشيخ خالد السويعدي البغدادي، السيد أبو الحسن حميد المقدّس الغريفي، السيد محمود المقدّس الغريفي، الشيخ علاء أبو طابوق، السيد طعمة الجابري، الشيخ أحمد الطفيلي، الشيخ محمد علي محراب الرحيمي، السيد محمد صالح بن السيد مهدي الخرسان، الشيخ عمّار الأسدي، الشيخ عادل هاشم، الشيخ حسين الرميتي العاملي، السيد عباس بن السيد رضي المرعشي،الشيخ علي العباس التاروتي، الشيخ زامل الشويخات السيهاتي، الشيخ محمد جواد السعيدي، الشيخ غلام حسين برهيزكَاري، السيد حسن والسيد حسين ابنا السيد محمد رضا السيستاني.
سماحة الشيخ نزار آل سنبل القطيفي
سماحة المرجع الديني الكبير الشيخ محمد اسحاق الفياض(دام ظله) ينهي دورة دروسه الأصولية بعمر ٩٣ عامًا قضاها ناصرا للدين ذائدا عن حمى الاسلام والمسلمين وبعد أن أفاض بكتاب الأصول ما يصل إلى خمسة عشر مجلد قرر إيقاف درس الأصول واستمراره بأفاضاته بالفقه ..متعنا الله تعالى بدوام بقائه المبارك ونفعنا بآثاره وعلومه وجعلنا من المقتفين اثره.
صاحب المواقف الطيبة:
قالت السيدة أم جعفر الصدر: عشت بفضل الله تحت ظلال لطفه وفي جوار وليِّه أمير المؤمنين، ما كنت محتاجة لمنّة من أحد ولا لفضل من جماعة.
ولكن ألا يحقّ لي أن أعتب على من قضينا عمرنا معهم ولهم ومنهم وإليهم.. أن هجرونا وتوجّسوا خيفة منّا، ولم يكلّفوا أنفسهم حتّى بمجرّد السؤال عن أحوالنا؟
ولكنّي إن نسيت فلن أنسى ما حييت ألطاف وفضائل آية الله العظمى الشيخ إسحاق الفياض، الذي خرق الحواجز النفسيّة والقوانين القائمة في نظر الناس.
ولم يكترث لهاجس، ولا استجاب لمخوّف. كان يغمرنا بألطافه، يسأل عن أحوالنا ويتفقّد شؤوننا، ويحرص على راحتنا. وأمّا حرمه المصون وزوجه الكريمة فقد أولتنا من التقدير والعناية على كبر سنّها وجلالة شأنها.
- المصدر
السيرة والمسيرة ج ٤ ص ٢٩٦
كتابة نبذه مختصرة من حياة الشيخ الفياض
تأليف فياض محمد إسحاق